فصل: الفصل الخامس: القوى النفسانية المدركة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.الفصل الخامس: القوى النفسانية المدركة:

والقوة النفسانية تشتمل على قوتين هي كالجنس لهما: إحداهما قُوة مدرِكَة والأخرى قُوة مُحَركة.
والقوة المدركة كالجنس لقوتين: قوة مدركة في الظاهر وقوة مدركة في الباطن.
والقوة المدركة في الظاهر هي الحسية وهي كالجنس لقوى خمس عند قوم وثمان عند قوم.
وإذا أخذت خمسة كانت قوة الإبصار وقوة السمع وقوة الشم وقوة الذوق وقوة اللمس.
وأما إذا أخذت ثمانية فالسبب في ذلك أن أكثر المحصلين يرون أن اللمس قوى كثيرة بل هو قوى أربع.
ويخصون كل جنس من الملموسات الأربع بقوة على حدة إلا أنها مشتركة في العضو الحساس كالذوق واللمس في اللسان والإبصار واللمس في العين وتحقيق هذا إلى الفيلسوف.
والقوة إحداها: القوة التي تسمى الحس المشترك والخيال: وهي عند الأطباء قوة واحدة وعند المحصلين من الحكماء قوتان.
فالحس المشترك هو الذي يتأدى إليه المحسوسات كلها وينفعل عن صورها ويجتمع فيه.
والخيال هو الذي يحفظها بعد الاجتماع ويمسكها بعد الغيبوبة عن الحس والقوة القابلة منهما غير الحافظة.
وتحقيق الحق في هذا هو أيضاً على الفيلسوف.
وكيف كان فإن مسكنهما ومبدأ فعلهما هو البطن المقدم من الدماغ.
والثانية: القوة التي تسميها الأطباء مفكرة: والمحققون تارة يسمونها متخيلة وتارة مفكرة فإن استعملتها القوة الوهمية الحيوانية التي نذكرها بعد أو نهضت هي بنفسها لفعلها سموها متخيلة وإن أقبلت عليها القوة النطقية وصرفتها على ما ينتفع به سنها سميت مفكرة.
والفرق بين هذه القوة وبين الأولى كيف ما كانت: أن الأولى قابلة أو حافظة لما يتأدى إليها من الصور المحسوسة.
وأما هذه فإنها تتصرف على المستودعات في الخيال تصرفاتها من تركيب وتفصيل فتستحضر صوراً على نحو ما تأدى من الحس وصوراً مخالفة لها كإنسان يطير وجبل من زمرد.
وأما الخيال فلا يحضره إلا للقبول من الحس.
ومسكن هذه القوة هو البطن الأوسط من الدماغ.
وهذه القوة هي الة لقوة هي بالحقيقة المدركة الباطنة في الحيوان وهي الوهم وهو القوة التي تحكم في الحيوان بأن الذئب عدو والولد حبيب وأن المتعهد بالعلف صديق لا ينفر عنه على سبيل غير نطقي.
والعداوة والمحبة غير محسوسين ليس يدركهما الحس من الحيوان فإذن إنما يحكم بهما ويدركهما قوة أخرى وإن كان ليس بالإدراك النطقي إلا أنه لا محالة إدراك ما غير النطقي.
والإنسان أيضاً قد يستعمل هذه القوة في كثير من الأحكام ويجري في ذلك مجرى الحيوان غير الناطق.
وهذه القوة تفارق الخيال لأن الخيال يستثبت المحسوسات وهذه تحكم في المحسوسات بمعان غير محسوسة وتفارق التي تسمّى مفكرة ومتخيلة بأن أفعال تلك لا يتبعها حكم ماء وأفعال هذه يتبعها حكم ما بل هي أحكام ما وأفعال تلك تركبّت في المحسوسات وفعل هذه هو حكم في المحسوس من معنى خارج عن المحسوس.
وكما أن الحس في الحيوان حاكم على صور المحسوسات كذلك الوهم فيها حاكم على معاني تلك الصور التي تتأدى إلى الوهم ولا تتأدى إلى الحس ومن الناس من يتجوز ويسمي هذه القوة تخيلاً وله ذلك إذ لا منازعة في الاسم اء بل يجب أن يفهم المعاني والفروق وهذه القوة لا يتعرض الطبيب لتعرفها وذلك أن مضار أفعالها تابعة لمضار أفعال قوى أخرى قبلها مثل الخيال والتخيّل والذكر الذي سنقوله بعد.
والطبيب إنما ينتظر في القوى التي إذا لحقها مضرة في أفعالها كان ذلك مرضاً فإن كانت المضرّة تلحق فعل قوة بسبب مضرة لحقت فعل قبلها وكانت تلك المضرة تتبع سوء مزاج أو فساد تركيب في عضو ما فيكفيه أن يعرف لحوق ذلك الضرر بسبب سوء مزاج ذلك العضو أو فساده حتى يتداركه بالعلاج أو يتحفظ عنه.
ولا عليه أن يعرف حال القوة التي إنما يلحقها ما يلحقها كما أن الخيال خزانة لما يتأدى إلى الحس من الصورة المحسوسة بواسطة إذ كان قد عرف حال التي يلحقها بغير واسطة.
والثالثة مما يذكر الأطباء وهي الخامسة أو الرابعة عند التحقيق وهي القوة الحافظة والمذّكرة وهي خزانة لما يتأدى إلى الوهم من معان في المحسوسات غير صورها المحسوسة وموضعها البطن المؤخر من بطون الدماغ وههنا موضع نظر حكمي في أنه هل القوة الحافظة والمتذكرة المسترجعة لما غاب عن الحفظ من مخزونات الوهم قوة واحدة أم قوتان ولكن ليس ذلك مما يلزم الطبيب إذا كانت الآفات التي تعرض لأيهما كان هي الآفات العارضة للبطن المؤخر من الدماغ إما من جنس المزاج وإما من جنس التركيب.
وأما القوة الباقية من قوى النفس المدركة فهي الإنسانية الناطقة.
ولما سقط نظر الأطباء عن القوة الوهمية لما شرحناه من العلة فهو أسقط عن هذه القوة بل نظرهم مقصور على أفعال القوى الثلاث لا غير.

.الفصل السادس: القوة المحركة:

وأمّا القوة المحركة فهي التي تشنج الأوتار وترخيها فتحرّك بها الأعضاء.
والمفاصل تبسطها وتثنيها وتنفذها في العصب المتصل بالعضل وهي جنس يتنوع بحسب تنوع مبادي الحركات فتكون في كل عضلة طبيعة أخرى وهي تابعة لحكم الوهم الموجب للإجماع.

.فصل في الأفعال:

في الأفعال نقول: إن من الأفاعيل المفردة ما يتم بقوة واحدة مثل الهضم ومنها ما يتم بقوّتين مثل شهوة الطعام فإنها تتم بقوة جاذبة طبيعية وبقوة حساسة في فم المعدة.
أما الجاذبة فبتحريكها الليف المطاول متقاضية ما يجذبه وامتصاصها ما يحضر من الرطوبات وأما الحساسة فبإحساسها بهذا الانفعال وبلذع السوداء المنبّهة للشهوة المذكورة قصتها.
وإنما كان هذا الفعل مما يتم بقوتين لأن الحساسة إذا عرض لها آفة بطل المعنى الذي يسمّى جوعاً وشهوة فلم يشته الطعام.
وإن كان للبدن إليه حاجة وكذلك الازدراد يتم بقوتين: إحداهما الجاذبة الطبيعية والأخرى الجاذبة الإرادية.
والأولى يتم فعلها بالليف المطاول الذي في فم المعدة والمريء.
والثانية يتم فعلها بليف عضل الإزدراد.
وإذا بطلت إحدى القوتين عسر الإزدراد بل إذا لم تكن بطلت إلا أنها لم تنبعث بعد لفعلها عسر الازدراد.
أو ترى أنه إذا كانت الشهوة لم تصدق عسر علينا ابتلاع ما لا تشتهيه بل إذا كنا نعاف شيئاً ثم أردنا ابتلاعه فنفرت عنه القوة الجاذبة الشهوانية صعب على الإرادية ابتلاعه.
وعبور الغذاء أيضاً يتمّ بقوة دافعة من العضو المنفصل عنه وجاذبة من العضو المتوجه إليه.
وكذلك إخراج الثفل من السبيلين وربما كان الفعل مبدؤه قوتان نفسانية وطبيعية وربما كان سببه قوة وكيفية مثل التبريد المانع للمواد فإنه يعاون الدافعة على مقاومة الخلط المنصبّ إلى العضو ومنعه ودفعه في وجهه والكيفية الباردة تمنع بشيئين بالذات أي بتغليظ جوهر ما ينصب وتضييق المسام وبشيء ثالث هو مما بالعرض وهو إطفاء الحرارة الجاذبة.
والكيفية الجاذبة تجذب بما يقابل هذه الوجوه المذكورة واضطرار الخلاء إنما يجذب أولاً ما لطف ثم ما كثف وأما القوة الجاذبة الطبيعية فإنما تجذب الأوفق أو الذي يخصّها في طبيعتها جذبة وربما كان الأكثف هو الأوفق والأخصّ.

.الفن الثاني: الأمراض والأسباب والأعراض الكلية:

وهو تعاليم ثلاثة:

.التعليم الأول: الأمراض:

وهو ثمانية فصول:

.الفصل الأول: السبب والمرض والعرض:

نقول: إنَ السبب في الطب وهو ما يكون أولاً فيجب عنه وجود حالة من حالات بدن الإنسان أو ثباتها.
والمرض هيئة غير طبيعية في بدن الإنسان يجب عنها بالذات آفة في الفعل وجوباً أولياً وذلك إمّا مزاج غير طبيعي وإما تركيب غير طبيعي.
والعرض هو الشيء الذي يتبع هذه الهيئة وهو غير طبيعي سواء كان مضاداً للطبيعي مثل الوجع في القولنج أو غير مضاد مثل إفراد حمرة الخد في ذات الرئة مثال السبب العفونة.
مثال المرض الحمى مثال العرض العطش والصداع.
وأيضاً مثال السبب امتلاء في الأوعية المنحدرة إلى العين مثال المرض السدّة في العنبية وهو مرض آلي تركيبي مثال العرض فقدان الإبصار وأيضاً مثال السبب نزلة حادة مثال المرض قرحة في الرئة مثال العرض حمرة الوجنتين وانجذاب الأظفار.
والعرض يسمّى عرضاً باعتبار ذاته أو بقياسه إلى المعروض له ويسمى دليلاً باعتبار مطالعة الطبيب إياه وسلوكه منه إلى معرفة ماهية المرض وقد يصير المرض سبباً لمرض آخر كالقولنج للغشي أو للفالج أو الصرع بل قد يصير العرض سبباً للمرض كالوجع الشديد يصير سبباً للورم لانصباب المواد إلى موضع الوجع.
وقد يصير العرض بنفسه مرضاً كالصداع العارض عن الحمى فإنه ربما استقر واستحكم حتى يصير مرضاً قد يكون الشيء بالقياس إلى نفسه وإلى شيء قبله وإلى شيء بعده مرضاً وعرضاً وسبباً مثل الحمى السلية فإنَها عرض لقرحة الرئة ومرض في نفسها وسبب لضعف المعدة مثلاً.
ومثل الصداع الحادث عن الحمّى إذا استحكم فإنه عرض للحمّى ومرض في نفسه وربما جلب البرسام أو السرسام فصار ذلك سبباً للمرضين المذكورين.

.الفصل الثاني: أحوال البدن وأجناس المرض:

أحوال بدن الإنسان عند جالينوس ثلاث: الصحة وهي هيئة يكون بها بدن الإنسان في مزاجه وتركيبه بحيث يصدر عنه الأفعال كلها صحيحة سليمة.
والمرض هيئة في بدن الإنسان مضادة لهذه وحالة عنده ليست بصحة ولا مرض إما لعدم الصحة في الغاية والمرض في الغاية كأبدان الشيوخ والناقهين والأطفال أو لاجتماع الأمرين في وقت واحد إما في عضوين وإما في عضو ولكن في جنسين متباعدين مثل أن يكون صحيح المزاج مريض التركيب.
أو في عضو وفي جنسين متقاربين مثل أن يكون صحيحاً في الشكل ليس صحيحاً في المقدار والوضع أو صحيحاً في الكيفيتين المنفعلتين ليس صحيحاً في الفاعلتين أو لتعاقب من الأمرين في وقتين مثل من يصح شتاء ويمرض صيفاً.
والأمراض منها مفردة ومنها مركبة.
والمفردة هي التي تكون نوعاً واحداً من أنواع مرض المزاج أو نوعاً واحداً من أنواع مرض التركيب الذي نذكره بعد.
والمركبة هي التي يجتمع منها نوعان فصاعداً يتحد منها مرض واحد.
فلنبدأ أولاً بالأمراض المفردة فنقول: إنّ أجناس الأمراض المفردة ثلاثة: الأول: جنس الأمراض المنسوبة إلى الأعضاء المتشابهة الأجزاء وهي أمراض سوء المزاج وإنما نسبت إلى الأعضاء المتشابهة الأجزاء لأنّها أولاً وبالذات تعرض للمتشابهة الأجزاء ومن أجلها تعرض للأعضاء المركّبة حتى إنها يمكن أن تتصوّر حاصلة موجودة في أي عضو من الأعضاء المتشابهة الأجزاء شئت.
والمركبة لا يمكن فيها.
والثاني: جنس أمراض الأعضاء الآلية وهي أمراض التركيب الواقع في أعضاء مؤلفة من الأعضاء المتشابهة الأجزاء هي آلات الأفعال.
والثالث: جنس الأمراض المشتركة التي تعرض للمتشابهة الأجزاء وتعرض للآلية بما هي آلية من غير أن يتبع عروضها للآلية عروضها للمتشابهة الأجزاء وهو الذي يسمُّونه تفرق لاتصال وانحلال الفرد فإن تفرق الاتصال قد يعرض للمفصل من غير أن تعرض للمتشابهة الأجزاء التي ركب منها المفصل البتة.
وقد يعرض لمثل العصب والعظم والعروق وحدها.
وبالجملة الأمراض ثلاثة أجناس: أمراض تتبع سوء المزاج وأمراض تتبع سوء هيئة التركيب وأمراض تتبع تفرّق الاتصال.
وكل مرض يتبع واحداً من هذه ويكون عنه تنسب إليه وأمراض سوء المزاج معروفة وهي ستة عشرة قد ذكرناها.

.الفصل الثالث: أمراض التركيب:

وأمراض التركيب أيضاً تنحصر في أربعة أجناس: أمراض الخلقة.
وأمراض المقدار وأمراض وأمراض الخلقة: تنحصر في أجناس أربعة: أمراض الشكل وهو أن يتغير الشكل عن مجراه الطبيعي فيحدث تغيره آفة في الفعل كاعوجاج المستقيم واستقامة المعوج وتربع المستدير واستدارة المربّع ومن هذا الباب سفيط الرأس إذا عرض منه ضرر وشدة استدارة المعدة وعدم القرحة في الحدقة.
والثاني أمراض المجاري وهي ثلاثة أصناف لأنها إما أن تتسع كانتشار العين وكالسبل وكالدوالي أو تضيق كضيق ثقب العين ومنافذ النفس والمريء أو تنسدّ كانسداد الثقبة العنبية وعروق الكبد وغيرها.
والثالث أمراض الأوعية والتجاويف وهي على أصناف أربعة: فإنها إمّا أن تكبر وتتسع كاتساع كيس الأنثيين أو تصغر وتضيق كضيق المعدة وضيق بطون الدماغ عند الصرع أو تنسدُ وتمتلئ كانسداد بطون الدماغ عند السكتة أو تستفرغ وتخلو كخلو تجاويف القلب عن الدم عند شدة الفرح المهلكة وشدّة اللذة المهلكة.
والرابع أمراض صفائح الأعضاء إما بأن يتملس ما يجب أن يخشن كالمعدة والمعي إذا تملست أو يخشن ما يجب أن يتلمس كقصبة الرئة إذا خشنت.
هذا وأما أمراض المقدار: فهي صنفان: فإنها إما أن تكون من جنس الزيادة كداء القيل وتعظم القضيب وهي علة تسمى فريسميوس وكما عرض لرجل يسمى نيقوماخس أن عظمت أعضاؤه كلها حتى عجز عن الحركة.
وإما أن تكون من جنس النقصان كضمور اللسان والحدقة وكالذبول.
وأما أمراض العدد: فإما أن تكون من جنس الزيادة وتلك إما طبيعية كالسن الشاغبة والإصبع الزائدة أو غير طبيعية كالسلعة والحصاة وإما من جنس النقصان سواء كان نقصاناً في الطبع كمن لم يخلق له إصبع أو نقصاناً لا في الطبع كمن قطعت أصبعه.
وأما أمراض الوضع: فإن الوضع عند جالينوس يقتضي الموضع ويقتضي المشاركة.
فأمراض الوضع أربعة: انخلاع العضو عن مفصله أو زواله عن وضعه من غير انخلاع كما في الفتق المنسوب إلى الأمعاء أو حركته فيه لا على المجرى الطبيعي أو الإرادي كالرعشة أو لزومه موضعه فلا يتحرك عنه كما يعرض عند تحجر المفاصل في مرض النقرس.
وأمراض المشاركة وهي تشتمل على كل حالة تكون للعضو بالقياس إلى عضو يجاوره من مقاربته أو مباعدته لا على المجرى الطبيعي وهو صفنان: أحدهما أن يعرض له امتناع حركته إليه أو تعسرها بعد أن كان ذلك ممكناً له مثل الإصبع إذا إمتنع تحركها إلى ملاصقة جارتها أو يعرض لها امتناع تحركها عنها ومفارقتها إياها بعد أن كان ذلك ممكناً أو تعسر تباعدها وذلك مثل استرخاء الجفن.